فروغ فرخزاد، شاعرة إيرانية اكتشفها موتها
عاشت الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد 32 عاما فقط، فانضمت بذلك إلى لائحة الشعراء الراحلين مبكرا من قبلها، مثل طرفة بن العبد وأبو القاسم الشابي وبدر شاكر السياب وغيرهم، لكن ما استغرب له الناس من بعدها أنها تكلمت في إحدى رسائلها عن تاريخ وفاتها، قالت " قريبا سأبلغ 32 عاما، صحيح أن الـ 32 هي حياتي التي تركتها خلفي وأتممتها، لكن ما يشفع لي هو أنني وجدت فيها نفسي"، مما جعل البعض يتحدث عن انتحارها.
ولدت هذه الشاعرة في طهران عام 1935، درست حتى الصف التاسع، لكنها تزوجت حين بلغت 16 من عمرها. درست الرسم والخياطة ثم انتقلت مع زوجها إلى الأهواز وبعد عام رزقت بولدها الوحيد. وبعد عام آخر حدث الطلاق بينهما لتفقد معه حضانة طفلها الوحيد، عادت فروغ إلى طهران متفرغة لكتابة الشعر، إلى أن أصدرت ديوانها البكر (الأسير) عام 1955.
لم يتحدث النقاد بوضوح عن تأثير فروغ فرخزاد في الشعر الفارسي المعاصر إلا بعد وفاتها، لتصنف إلى جانب أعمدة الشعر الإيراني نيما يوشيج وسهراب سبهري وأحمد شاملو، وتميز شعرها عموما بالفردية والرقة والحساسية تجاه الحياة وقضاياها، مع نبرة اعتراضية وروح تشرئب إلى التحرر والانفلات، وابتعدت عن اللون الاديولوجي والهم الاجتماعي الذي اصطبغ به شعر المرحلة، استفادة من رحلتها إلى أوربا عام 1958إذ تعلمت اللغتين الألمانية والإيطالية، وقامت بالترجمة، واغتنمت الفرصة كذلك لكتابة الشعر، وهناك التقت بالقاص الإيراني إبراهيم جولستان الذي فاستمرا في صداقة دامت لثماني سنوات، وفي هذا المقطع من حياتها كتبت رسالة إلى والدها الذي كانت معه في خلاف على قناعاتها واختياراتها، هذه الرسالة التي نشرت حديثا في طهران تبين الخلفيات النفسية لفروغ ورؤيتها وجوانب من شخصيتها الإبداعية، ومما تقوله فيها: " .. لقد سألتني عن العمل والدراسة، أنت تعرف هدفي في الحياة، قد يكون فيه شئ من الجنون، لكنه الشئ الوحيد الذي أجد فيه سعادتي وأحس فسه بالرضا، أحب الشعر وأريد أن أكون شاعرة كبيرة، ليس لي أي شغل غير هذا، أي أنني منذ وعيت نفسي وأنا أحب الشعر، وكل عمل أقدم عليه يكون لتنمية أفكاري ومشاعري، أنا لم أدرس قط لكي أحصل على الشواهد، بل أسعى إلى استخدام معلوماتي ومعارفي لكي أن أنجح في الشعر، لقد اغتنمت الأشهر السبعة التي قضيتها في إيطاليا لتعلم اللغة الإيطالية، وتمكنت من ترجمة كتابين من اللغة الإيطالية، وأنا الآن مشغولة بمساعدة أمير بترجمة كتاب من الألمانية.
بعد أن أنهيت ترجمت الكتاب الأول، وهو الآن لدى ناشر في طهران- بالطبع هناك تعويض مالي من وراءه - وخلال الأشهر العشرة التي قضيتها هنا في أوربا كتبت ديوان شعريا أعتقد أنني سأنشره، الشعر سيدي، إلى هذا الحد أحب الشعر، أقضي الأيام والليالي في إبداع شعر جديد، شعر جميل لم يقله أحد حتى الآن، اليوم الذي لا أقضيه وحيدة ولأفكر فيه في شعر جديد، أعتبره من يوما باطلا وبلا معنى، قد لا يجلب لي الشعر سعادة ظاهرة، لكنني أقدر السعادة بطريقة أخرى، فالسعادة بالنسبة لي ليست هي اللباس الجيد، والحياة المرفهة، أنا أكون سعيدة حين أحس بالرضا، والشعر يمنحني الإحساس بالرضا، بينما إذا أعطيت كل هذه الأشياء التي يحرص الناس عليها ويأخذ مني القدرة على قول الشعر، حينئذ سأ نتحر..دع عنك الذين يعتقدون أنني بائسة وحائرة، لكنني لن أشكو قط من الحياة.. أقسم بالله وبحياة أطفالي أنني أحبك كثيرا، والتفكير فيك يملأ عيناي بالدموع، أحيانا أتساءل مع نفسي: لماذا خلقني الله هكذا؟ وخلق في داخلي شيطانا باسم الشعر يمنعني من كسب رضاك ومحبتك، لكنه ليس تقصيري، إنني لا أرى في نفسي القدرة على تحمل حياة عادية كما يعيشها ملايين الناس، الزواج كذلك ليس من أهدافي، إنني أريد أن أكون متميزة في حياتي الشخصية وفي حياتي الاجتماعية أرغب في أن أكون امرأة بارزة، وأظن أنك ستتفهم موقفي. أكتب لي فأنا أحب رسائلك، أرغب كذلك في شراء شئ جميل وإرساله لك، لكنني لا أعرف ما لذي تحبه، وأيضا أريد أن أرسل مبلغا ماليا، هدية صغيرة إلى أبي الحبيب، لكن ينبغي لك أن تكتب لي ما لذي تحبه من هنا، إنني أقبلك".
عاشت فروغ فرخزاد حياة مليئة بالاضطراب، كان والدها رجلا عسكريا يرغب في أن تكون ابنته سيدة متميزة يحترمها المجتمع، تحكي الروايات أنها أمضت طفولتها في ظروف صعبة، لكنها لا تقول شيئا عن والدتها، إلا ما نقل عن لسان فروغ نفسها حين وصفتها بامرأة تحرص على الدعاء، لكن أكثر شئ أثر على فروغ هو زواجها المبكر (16 عاما). كان عمرها القصير سلسلة من المرارات و الإحباطات المتتالية، ترجمتها أشعارها و عناوين دواوينها وكذا أفلامها القصيرة: (أسير ـ عصيان ـ نار ما ـ البيت الأسود).. وقد كشفت صراحة عن وجعها الدفين حين قالت: " أحسّ أني خسرت عمري كله ، كان عليَّ أن أعرف أقل بكثير من خبرة السبعة والعشرين عاما ً، لعلّ السبب يكمن في أن حياتي لم تكن مضيئة ، فالحب ، وزواجي المضحك في السادسة عشرة زلزلا أركان حياتي. على الدوام لم يكن لي مرشد، لم يربّني أحد فكرياً وروحياً. كل ما لدي هو مني، وكل ما لم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي، عراقيل الحياة منعتني من الوصول"، إنها ترسم صور امرأة تواقة للآفاق لولا الموانع التي تحول دون ذلك، امرأة يغلب على نبرتها البوح واستعادة لحظات العمر القصير، ترجم لها حميد كشكولي أبياتا تقول:
أنا آتية من ديار الدمى،
من ظلال الأشجار الورقية في بستان كتاب مصوّر،
من المواسم اليابسة لتجارب الحب ّ والصداقة العقيمة في أزقة البراءة الترابية.
أنا قادمة من سنوات نضوج ّ حروف الأبجدية الكالحة وراء طاولات المدرسة المسلولة..
صدر للشاعرة فروغ فروخزاد مجموعة من الدواوين الشعرية، منها (الجدار) و(الثورة) و(ميلاد جديد) و(الأسير) و (العصيان)، أما مترجماتها إلى العربية فنذكر: (عمدني بنبيذ الأمواج) للمترجم ناطق عزيز، (امرأة وحيدة.. فروغ فرخزاد وأشعارها) للمترجم بولس سروع ضمن منشورات المجلس الوطني للثقافة في الكويت، لفروغ أيضا مساهمات سينمائية عدة، لكنها تبقى قليلة.
في 14 فبرامي 1967 توفيت الشاعرة فروغ فرخزاد إثر حادثة سير في طهران، أول قصيدة نشرت لها بعد وفاتها هي (لنؤمن ببداية موسم البرد، اعتبرها بعض النقاد من أقوى قصائد الشعر الفارسي المعاصر، كما اعتبروا صاحبتها الراحلة شاعرة فذة اكتشفها موتها.
ولدت هذه الشاعرة في طهران عام 1935، درست حتى الصف التاسع، لكنها تزوجت حين بلغت 16 من عمرها. درست الرسم والخياطة ثم انتقلت مع زوجها إلى الأهواز وبعد عام رزقت بولدها الوحيد. وبعد عام آخر حدث الطلاق بينهما لتفقد معه حضانة طفلها الوحيد، عادت فروغ إلى طهران متفرغة لكتابة الشعر، إلى أن أصدرت ديوانها البكر (الأسير) عام 1955.
لم يتحدث النقاد بوضوح عن تأثير فروغ فرخزاد في الشعر الفارسي المعاصر إلا بعد وفاتها، لتصنف إلى جانب أعمدة الشعر الإيراني نيما يوشيج وسهراب سبهري وأحمد شاملو، وتميز شعرها عموما بالفردية والرقة والحساسية تجاه الحياة وقضاياها، مع نبرة اعتراضية وروح تشرئب إلى التحرر والانفلات، وابتعدت عن اللون الاديولوجي والهم الاجتماعي الذي اصطبغ به شعر المرحلة، استفادة من رحلتها إلى أوربا عام 1958إذ تعلمت اللغتين الألمانية والإيطالية، وقامت بالترجمة، واغتنمت الفرصة كذلك لكتابة الشعر، وهناك التقت بالقاص الإيراني إبراهيم جولستان الذي فاستمرا في صداقة دامت لثماني سنوات، وفي هذا المقطع من حياتها كتبت رسالة إلى والدها الذي كانت معه في خلاف على قناعاتها واختياراتها، هذه الرسالة التي نشرت حديثا في طهران تبين الخلفيات النفسية لفروغ ورؤيتها وجوانب من شخصيتها الإبداعية، ومما تقوله فيها: " .. لقد سألتني عن العمل والدراسة، أنت تعرف هدفي في الحياة، قد يكون فيه شئ من الجنون، لكنه الشئ الوحيد الذي أجد فيه سعادتي وأحس فسه بالرضا، أحب الشعر وأريد أن أكون شاعرة كبيرة، ليس لي أي شغل غير هذا، أي أنني منذ وعيت نفسي وأنا أحب الشعر، وكل عمل أقدم عليه يكون لتنمية أفكاري ومشاعري، أنا لم أدرس قط لكي أحصل على الشواهد، بل أسعى إلى استخدام معلوماتي ومعارفي لكي أن أنجح في الشعر، لقد اغتنمت الأشهر السبعة التي قضيتها في إيطاليا لتعلم اللغة الإيطالية، وتمكنت من ترجمة كتابين من اللغة الإيطالية، وأنا الآن مشغولة بمساعدة أمير بترجمة كتاب من الألمانية.
بعد أن أنهيت ترجمت الكتاب الأول، وهو الآن لدى ناشر في طهران- بالطبع هناك تعويض مالي من وراءه - وخلال الأشهر العشرة التي قضيتها هنا في أوربا كتبت ديوان شعريا أعتقد أنني سأنشره، الشعر سيدي، إلى هذا الحد أحب الشعر، أقضي الأيام والليالي في إبداع شعر جديد، شعر جميل لم يقله أحد حتى الآن، اليوم الذي لا أقضيه وحيدة ولأفكر فيه في شعر جديد، أعتبره من يوما باطلا وبلا معنى، قد لا يجلب لي الشعر سعادة ظاهرة، لكنني أقدر السعادة بطريقة أخرى، فالسعادة بالنسبة لي ليست هي اللباس الجيد، والحياة المرفهة، أنا أكون سعيدة حين أحس بالرضا، والشعر يمنحني الإحساس بالرضا، بينما إذا أعطيت كل هذه الأشياء التي يحرص الناس عليها ويأخذ مني القدرة على قول الشعر، حينئذ سأ نتحر..دع عنك الذين يعتقدون أنني بائسة وحائرة، لكنني لن أشكو قط من الحياة.. أقسم بالله وبحياة أطفالي أنني أحبك كثيرا، والتفكير فيك يملأ عيناي بالدموع، أحيانا أتساءل مع نفسي: لماذا خلقني الله هكذا؟ وخلق في داخلي شيطانا باسم الشعر يمنعني من كسب رضاك ومحبتك، لكنه ليس تقصيري، إنني لا أرى في نفسي القدرة على تحمل حياة عادية كما يعيشها ملايين الناس، الزواج كذلك ليس من أهدافي، إنني أريد أن أكون متميزة في حياتي الشخصية وفي حياتي الاجتماعية أرغب في أن أكون امرأة بارزة، وأظن أنك ستتفهم موقفي. أكتب لي فأنا أحب رسائلك، أرغب كذلك في شراء شئ جميل وإرساله لك، لكنني لا أعرف ما لذي تحبه، وأيضا أريد أن أرسل مبلغا ماليا، هدية صغيرة إلى أبي الحبيب، لكن ينبغي لك أن تكتب لي ما لذي تحبه من هنا، إنني أقبلك".
عاشت فروغ فرخزاد حياة مليئة بالاضطراب، كان والدها رجلا عسكريا يرغب في أن تكون ابنته سيدة متميزة يحترمها المجتمع، تحكي الروايات أنها أمضت طفولتها في ظروف صعبة، لكنها لا تقول شيئا عن والدتها، إلا ما نقل عن لسان فروغ نفسها حين وصفتها بامرأة تحرص على الدعاء، لكن أكثر شئ أثر على فروغ هو زواجها المبكر (16 عاما). كان عمرها القصير سلسلة من المرارات و الإحباطات المتتالية، ترجمتها أشعارها و عناوين دواوينها وكذا أفلامها القصيرة: (أسير ـ عصيان ـ نار ما ـ البيت الأسود).. وقد كشفت صراحة عن وجعها الدفين حين قالت: " أحسّ أني خسرت عمري كله ، كان عليَّ أن أعرف أقل بكثير من خبرة السبعة والعشرين عاما ً، لعلّ السبب يكمن في أن حياتي لم تكن مضيئة ، فالحب ، وزواجي المضحك في السادسة عشرة زلزلا أركان حياتي. على الدوام لم يكن لي مرشد، لم يربّني أحد فكرياً وروحياً. كل ما لدي هو مني، وكل ما لم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي، عراقيل الحياة منعتني من الوصول"، إنها ترسم صور امرأة تواقة للآفاق لولا الموانع التي تحول دون ذلك، امرأة يغلب على نبرتها البوح واستعادة لحظات العمر القصير، ترجم لها حميد كشكولي أبياتا تقول:
أنا آتية من ديار الدمى،
من ظلال الأشجار الورقية في بستان كتاب مصوّر،
من المواسم اليابسة لتجارب الحب ّ والصداقة العقيمة في أزقة البراءة الترابية.
أنا قادمة من سنوات نضوج ّ حروف الأبجدية الكالحة وراء طاولات المدرسة المسلولة..
صدر للشاعرة فروغ فروخزاد مجموعة من الدواوين الشعرية، منها (الجدار) و(الثورة) و(ميلاد جديد) و(الأسير) و (العصيان)، أما مترجماتها إلى العربية فنذكر: (عمدني بنبيذ الأمواج) للمترجم ناطق عزيز، (امرأة وحيدة.. فروغ فرخزاد وأشعارها) للمترجم بولس سروع ضمن منشورات المجلس الوطني للثقافة في الكويت، لفروغ أيضا مساهمات سينمائية عدة، لكنها تبقى قليلة.
في 14 فبرامي 1967 توفيت الشاعرة فروغ فرخزاد إثر حادثة سير في طهران، أول قصيدة نشرت لها بعد وفاتها هي (لنؤمن ببداية موسم البرد، اعتبرها بعض النقاد من أقوى قصائد الشعر الفارسي المعاصر، كما اعتبروا صاحبتها الراحلة شاعرة فذة اكتشفها موتها.