الامام عبد القادر الكيلاني
خلود الدايني
قدره السماوي أو الشخصي، الله وحده العالم، هو الذي قاده من تلك البلاد ، مدينة (جيلان) مسقط رأسه (عام470هـ /1077م) ليحط الرحال عند بغداد صبياً لم يبلغ سن الرشد بعد. لقد حفلت الرحلة الغريبة للصبي - طالب العلم- في عاصمة الخلافة الاسلامية بأحداث تنبئ بأن امراً كبيراً، أو بالأحرى اموراً جليلة ترسم مستقبل هذا الفتى كما ارادت لها الارادة الربانية ان تكون، فقد تعرضت القافلة القادمة من (جيلان) كما تروي القصة المأثورة، الى عصابة من قطاع الطرق، سلبت الناس اموالهم وأغراضهم، وهرب من هرب، الا شيخنا الفتى ظل ثابتا في مكانه، فلما اقترب منه زعيم العصابة وسأله ان كان معه شيء من المال لم ينكر وكان بأمكانه الانكار والمال الذي معه مخفي عن العيون في مكان سري بين ملابسه، وهو ما أثار دهشة الزعيم فسأله: لماذا اعترفت وكان بمقدورك ان تنكر؟ فرد عليه شيخنا الفتى: لقد اوصتني امي أن لا أكذب، والمال الذي تسرقه يقودك الى النار اما صدقي فيقودني الى الجنة... ووجد زعيم الحرامية بانه ينهار أمام هذا الرد وان قشعريرة تسري في جسده ، وقارن بين موقفه وهو الراشد وبين موقف عبدالقادر الجيلاني وهو الصبي الصغير، وماهي الا لحظات من التأمل والتفكر والهداية الربانية، حتى أعلن الزعيم توبة نصوحاً لوجه الله على يدي شيخنا الجليل وأعاد الاموال المسروقة الى اصحابها، ثم انصرف من يومها الى العبادة.. تلك هي البداية. النسب الى آل البيت تتفق الروايات التاريخية على اتصال نسب الكيلاني بآل البيت ، فهو حسني الأب ، حسيني الام، وتشير شجرة العائلة الى أن نسب الشيخ عبدالقادر قدس الله سره ترجع الى الامام عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) ، وقد توفي الامام عبدالله المحض في منطقة اليوسفية وله قبر في مسجد يسمى مسجد السيد عبدالله ، وقد تفرقت ذريته بين بغداد والحجاز واليمن وقامت لهم امارات في المغرب (الادارسة) وهم اولاد ادريس بن عبدالله المحض ، ومنهم من هاجر الى بلاد جيلان حيث يرجع اليهم نسب شيخنا الجليل .
في طفولته نهل العلم من اسرته ، وعندما سنحت له الظروف قدم الى بغداد مدينة العلم والعلماء سنة 1095 م ، وبعد أيام صعبة قضاها في بغداد دخل مدرسة القاضي ابي سعيد المبارك المخرمي قاضي (باب الازج) باب الشيخ حالياً، حيث درس الفقه وأحكام الاصول والفروع والخلاف وسمع الحديث واشتغل بالوعظ وقد برز فيها، وبعد ذلك لازم الانقطاع والخلوة متحملا السهر والجوع . وبعد ان توفي القاضي ابو سعيد المخرمي تولى ادارة المدرسة الشيخ الكيلاني بما عرف عنه من سعة علم وتقوى، وقد طرأت على المدرسة تطورات كثيرة في عهده ، اذ أعاد بناءها وتوسيعها في سنة 1133م واستقطب الكثير من طلاب العلم والدين ، وذاع صيت شيخنا في العراق وخارجه حتى توفي رحمه الله سنة 561هجرية (1165م) ودفن في مدرسته ليلاً لكثرة الزحام .