إمارة حيداب اليهودية في كردستان
إمارة حدياب اليهودية جاء ذكرها في التاريخ لفترة قصيرة لاتزيد على الـ 75 عاما ثم اختفت وهو عمر قصير في قيام الممالك ثم احدارها. ذكرها الدكتور أحمد سوسة وهو يهودي اسلم في العهد الملكي وكان ظليعا واسع الاطلاع على شؤون الري في العراق وتخصص في الري ونشر فيه مقالات وكتابات كثيرة في شؤون العراق الجغرافية والتاريخي وله كتاب
(ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق) وترك له ذكر في هذه المواضيع. عن إمارة حدياب اليهودية يقول في كتابه
(العرب واليهود في التاريخ) بانها تأسست وسط منطقة كردستان، وازدهرت في القرن الأول بعد الميلاد،
ويسميها العرب (حزة) وتقع ضمن مملكة آشور القديمة شرقي دجلة، وتمتد بين النهر وأذربيجان
ثم توسعت لتشمل بلدة نصيبين غرباً·
وكان ملك هذه الإمارة (إيزاط الأول) يهودياً والملكة الأم اسمها (هيلانة)
وكانت عاصمتها أربيل، دام حكم الإمارة 75 عاماً عندما قضى عليها (الامبراطور تراجان)
امبراطور روما حوالي عام (115 م) وكانت الامارة تلتزم الولاء والاسناد من يهود القدس·
وينتهي الدكتور أحمد سوسة وهو العارف بالتاريخ اليهودي الى القول عندما نقول إمارة يهودية وجدت في هذا القطر أو ذاك في ذلك الزمان، فهذا لا يعني أن يهوداً جاؤوا من فلسطين واستولوا على الحكم في ذلك القطر، فإمارة (حدياب)
كان يحكمها (مونوباس) تزوج من اخته (هيلينا) وكانا على الوثنية إذ يحل زواج الأخت عند الوثنيين، فأنجبا ابنهما (إيزاط)
وهو الذي التقى بيهود السبي البابلي فاعتنق ديانتهم وصار يهودياً· وقد ذكرها أحد الآباء الكنسيين واسماها (حزة)
فقال أما حدياب فتقع بين الزابين، وفي الجيل الأول للمسيح كان يرأسها الملك (إيزا) ذكره (يوسيفوس)
المؤرخ اليهودي بانه اعتنق اليهودية على يد حنينا وقد اشتهرت أمه (هيلانة)
أثناء المجاعة التي حدثت في زمانها في أورشليم عندما جلبت القمح من مصر ووزعته على أهالي المدن·
تحدث عن الإمارة الطبيب والمبشر الأمريكي (غرانت) في كتابه (النساطرة ومجاوروهم المسلمون)
الذي صدر في برنستون عام 1961 فقال كإن عدد النساطرة المسيحيين في منطقة (حدياب)
خلال القرن الأول للميلاد 100 ألفا، كان أجداد هؤلاء يهوداً من الأسباط العشرة قبل تنصرهم بعد ظهور المسيح·
إمارة (حيداب) أهلها يهود، لم تعمر أكثر من مئة عام، كانت تروي قصة اليهود الذين عاشوا في كردستان العراق مدة 2500 عام تقريباً وكان اليهود العراقيين قبل 1950 من سلالاتهم الذين تفرقوا على اكثر المدن العراقية وخاصة بغداد والبصرة. جاء في سفر الملوك الرابع في التوراة (وفي أيام فاقح ملك إسرائيل، جاء ''تجلت فلاسر'' ملك آشور، وأخذ عيوناً وإبلاً لبيت معكه· ويا نوح، وقادش، وحاصود، وجلعاد، والجليل وجميع أراضي نفتالي وجلاهم إلى آشور)·
عندما قامت الامبراطورية الأشورية وخلال علوها العسكري ضمت الكثير من الأراضي العراقية والفارسية والسورية وبعض أقسام مصر، واستولت على مملكة إسرائيل وسعت لإزالتها، وذلك قبل السبي البابلي الشهير الذي قام به
(نبوخذ نصر)، لهذا فقبل السبي البابلي لليهود حدث سبي أشوري لهم ايضا· ففى عام 800 قبل الميلاد اخضع الملك الأشوري
(شلما نصر) الآراميين والفينيقيين وإسرائيل، حيث اكتشف المنقبون في (نمرود)
على مدونات عليها صور حملات هذا الملك، كأخذه الجزية من (بهو)
ملك إسرائيل الذي يُرى في المدونات ساجداً يقبل أقدام (شلما نصر)·
وقد ذكرت الحملات الآشورية، في التوراة خاصة حملة الملك الآشوري (تجلات بلاسر) في عام 732 قبل الميلاد حيث جاء وجه ملك (آحاز) رسلا إلى (تجلت فلاسر)
ملك آشور قائلاً (أنا عبدك وابنك فاصعد وخلصني من يد ملك آرام ويد ملك إسرائيل القائمين عليَّ)·
ان رواية السبي الآشوري لليهود، هي قصة اليهود الذين سكنوا جبال كردستان في شمالي العراق
حيث شتت الدولة الآشورية الأسرى إلى منافي بعيدة منعزلة عن أي تجمع قريب لكي لا يتمكنوا من لم شعثهم فلا يستطيعون العودة إلى ديارهم التي جاؤوا منها، لذلك أبعدوا اليهود إلى جبال كردستان في العراق وتركيا وإيران
ولقد ورد في نص التوراة الأماكن التي توزع فيها اليهود، وهي (صلح) و(خابور) و(هار)·
وقد أسمىوا هؤلاء اليهود الذين سكنوا الجبال والسهول وامتهنوا الزراعة (الأسباط العشرة المفقودة)،
وهؤلاء قلدوا الأكراد في نمط معيشتهم وامتهنوا مزارعين· والجدير بالذكر أن هؤلاء اليهود، هم احفاد تؤلئك اليهود الذين رحلوا إسرائيل في عام 1948 عند تأسيسها وهم يهود العراق ة، وقد أكد (بنيامين التطيلي)
اليهودي الذي زار المنطقة في حوالي عام 1165 أنه شاهد في بلدة العمادية بالعراق خمسة وعشرين ألف يهودي يؤدون الجزية للمسلمين مثل سائر اليهود المقيمين في البلاد العربية، وتكلم أيضاً عن أرض نهاوند فقال إن فيها شيخ الحشاشين يقصد الإسماعيلية ويقيم معهم حوالى أربعة آلاف يهودي·
ومن أخبار اليهود أثناء تواجدهم في شمالي العراق، ما ذكره (بنيامين التطيلي اليهودي)
عن فتنة قام بها (داود بن الروحي) اليهودي في العمادية، فقال (قامت في العمادية فتنة داود بن الروحي، وكان هذا قد تلقى العلم في بغداد عند "حسداي رأس الجالوت"، و"غاؤون يعقوب"، فتضلع بالتوراة والفقه والتلمود وسائر العلوم، وبرع في لغة المسلمين وآدابهم، ونبغ بفنون السحر والشعوذة، فدخل في روعه أن يعلن على ملك العجم ويجمع حوله اليهود القاطنين في جبال ''حبتون'' ومقاتلة النصارى المتمكنين من أورشليم والاستيلاء عليها وطردهم منها، فشرع ينشر دعوته بين اليهود ويقول لهم
(إن الله قيضني لفتح القدس وإنقاذكم من نير الاستعباد)، فآمنت به جماعة من بسطاء اليهود، وحسبوا أنه المسيح المنتظر، فلما استفحل أمره وطرق حديثه أسماع ملك العجم أرسل في طلبه، فلما مثل بين يديه من غير خوف أو وجل، سأله السلطان
(أصحيح أنك ملك اليهود؟) فاجاب (نعم)، فأمر السلطان بالقبض عليه وزجه في السجن· وبعد ثلاثة أيام وبينما كان السلطان بمجلسه، وإذا بداود يظهر أمامه طليقاً بلا قيود، فدهش السلطان وسأله كيف فك قيوده وخرج من السجن، فأجابه
(إنها حكمتي ودهائي، وأنا لا أخافك ولا أخاف وزراءك)، فلما أمر السلطان الجند أن يقبضوا عليه، اختفى وكانوا يسمعون صوته ولا يرون شكله، وتستمر حكاية هذا الرجل الذي اتخذ من بلدة العمادية مركزاً لدعوته، بينما راح حكام العجم والعرب يسومون اليهود العذاب لكي يقضوا على ثورته، إلى أن تمكنوا من ذلك في عام 1167·
وفي كتاب أصدره المجمع الثقافي في أبوظبي، بعنوان رحلة بنيامين التطيلي، ترجمة عزرا حداد وتقديم الدكتور عبدالرحمن عبدالله الشيخ، جاء فيه أن تاريخ وقوع هذه الفتنة كان في عام 1160 أي في خلافة المقتفي العباسي، فقد ورد خبر هذه الفتنة في كتاب
(بذل المجهود في إفحام اليهود)
مؤلفه صموئيل بن يحى بن عباس المغربي الذي اعتنق الإسلام في بغداد وهو أن يهود الأعاجم وأهل نواحي العمادية وسواد الموصل، استجابوا لدعوة داود ونفروا إليه بالسلاح المستتر حتى صارت عنده جماعة كثيفة، فلما وصل الخبر إلى بغداد اتفق شخصان من محتالي اليهود ودواهيهم فكتبا على لسان داود كتباً إلى يهود بغداد تبشرهم بالفرج وأنه في ليلة واحدة سيطيرون إلى بيت المقدس، فانقاد إليهما عدد من السذج اليهود وذهبوا بأموالهم وحليهم إلى ذينك الشخصين ليتصدقا على من يستحق بزعمها، واكتسوا ثياباً خضراء واجتمعوا على السطوح ينتظرون الطيران بزعمهم على أجنحة الملائكة، وصارت النساء تبكي خوفاً من أن يطرن قبل أطفالهن المرتضعين، إلى أن أصبح الصبح وكشف عن خذلانهم ونجا المحتالان بأموال اليهود، فصار يهود بغداد يسمون ذلك العام (عام الطيران)، ما تبقى من أخبار يهود السبي الأول اي السبي الآشوري، موجود في الرواق الآشوري بالمتحف البريطاني،
اما قصة السبي البابلي لليهود ونفيهم إلى العراق التي ماتزال الفكر والتراث اليهودي؟ فهي السبي الثاني اذ بعد انقراض الدولة الآشورية بسقوط عاصمتها نينوى سنة 216 ق م، قامت اثرها الدولة البابلية الكلدانية· في عام 605 ق·م
تولى الحكم في فيها الملك (نبوخذ نصر) الذي دام حكمه 43 عاماً، وهو الذي قضى على دولة إسرائيل
حدثتنا عنه التوراة ومصادر الأخرى، يبدو من الرواية الإسرائيلية أن الملك اليهودي (يواقيم)
كان حليفاً للملك البابلي، لكنه لم يثبت على عهده، اذ انقلب عليه رغم تحذير النبي (إرميا) له، لهذا جهز (نبوخذ نصر)
جيشا بقيادته فحاصر (أورشليم) عام 597 ق م· وخلال الحصار مات الملك اليهودي وخلفه ابنه (يهو ياقيم)
الذي أسره الجيش البابلي هو وأمه ونساءه وحاشيته وأشراف مملكته ورجال حربه والصناع والأقيان وبعثوهم إلى بابل، ولم يبق في أورشليم إلا مساكين شعب الأرض، وكان من أبرز الذين سباهم نبوخذ نصر (النبي دانيال)·
ثم عين نبوخذ نصر (صدقيا) عم الملك الأسير، حاكماً على إسرائيل، ولما وصلت قوافل الأسرى اليهود إلى مدينة بابل، شاهدوا هناك يهودا من أبناء بلدتهم، أسرى الحرب الآشورية السابقة، تم نقلهم إلى منطقة اسمها (نهر الخابوق)
الا ان (صدقيا) نقض العهد مع نبوخذ نصر، فرفع لواء العصيان ودخل في حلف مع (حوفر) ملك مصر
فاضطر نبوخذ نصر الى توجيه جيشاً قاده بنفسه وحاصر أورشليم مرة أخرى، وتفشت المجاعة والأوبئة في المدينة، إلى أن استسلمت سنة 586 ق م، وهنا قرر نبوخذ نصر أن يدمر المدينة، فدمرها، وأحرقها، وسلب خزائنها·
أما اليهود المسبيون في العراق، فقد وطدوا اركانهم ولموا شعثهم فيه واستقروا ولم يرجعوا، امتهن الكثير منهم التجارة والزراعة والصنائع ومارسوا شعائرهم بحرية، حتى إن النبي (دانيال) نال الشهرة والحضوة بين البابليين· وفي بابل وضعت جماعة من فقهاء اليهود
(التلمود البابلي) المعروف، وبعد حين غزى الجيش الفارسي آتيا من الشرق يقوده الملك (كورش)
غزى بابل وهو في طريقه لاحتلال سوريا وفلسطين، فأمر بفك أسر اليهود، وسمح لهم بالعودة إلى أورشليم، وأعاد لهم كنوزهم، وأمر بإعادة بناء الهيكل هناك، ويرجح المؤرخون أن الذين رجعوا لأورشليم، كانوا من الفاشلين من اليهود، الذين لم ينجحوا في مكاسبهم في العراق ومعهم المتعصبون، أما الذين بقوا في العراق فقد استمتعوا، وهم تحت الحكم الفارسي، بمقدار كبير من الاستقلال الذاتي، وتميزت تلك الفترة بنشر جزء كبير من الأدب والثقافة اليهودية، بحيث صارت مدينة بابل مركزاً للدراسات التلمودية· كما أن النبي (حزقيال) كتب في العراق منهجاً لشعب إسرائيل، بحيث أضحى التلمود البابلي أقوى من التلمود الاسرائيلي إلى يومنا هذا· وقد ترك يهود العراق مزارات لأنبيائهم، لا زالت موجودة هناك، وأشهرها قبر عزرا، الكاهن المعروف بـ (العزير)
ويقع على مسافة اثنين وعشرين ميلاً جنوب ملتقى الدجلة والفرات، حيث تكثر المستنقعات والأهوار هناك، ويعتبره اليهود كاتب الشريعة ورائد بني إسرائيل· أما المزار الثاني المشهور، فهو مزار النبي (حزقيال)، يسميه العرب (الكفل) وقد ورد ذكره في القرآن على أنه (ذا الكفل)، وقيل إنه سمي (الكفل)
لأنه كفل شعب إسرائيل بالنجاة من أسر البابليين· وقبره موجود على مسافة عشرين ميلاً من الحلة في الطريق المؤدي الى النجف، وهو مكان مقدس عند اليهود، وكانوا يزورونه في الـ (الكبور) عيد الكفارة اي (يوم الغفران)· قبل الرحيل الاخير لليهود الى اسرائيل كان لهم تأثير على العراق عند تأسيس الملكية، كان لهم الوزير حسقيل ساسون وزيرا للمالية في اول وزارة عراقية وكان قد شارك في مؤتمر القاهرة (1921)
برئاسة ونستون تشرشل، رثاه الرصافي
(ألا لا تقل قد مات ساسون بل فقل تغَـور من أفـق المكارم كـوكب) ثم (فقـدنا بـه شيخ البرلمـان ينجلي بـه ليله الداجي إذا قـام يخطـب)، والوزير الثاني اليهودي كان وزيرة التجارة عزرا الياهو، بينما لم ينل المسيحيون هذه الحضوة الا في وقت متأخر بتواجد الوزير (يوسف غنيمة) في احدى الوزارات، وفي بغداد هناك (شارع السموأل) ولا يزال شارع المصارف والمال تسمية بالشاعراليهودي السموأل بن عاديا الذي قيل انه التقى بعنتر العبسي في مجمع من شعراء ذاك العهد وفيه القى قصيدته المعروفة
(اذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه فكل رداء يرتديه جميل) ثم (وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل)
وتبعها بـ (تُعيِّرُنا أنّا قليلٌ عديدنا فقلتُ لها إنّ الكرامَ قليلُ). واتذكر في البصرة وكنت صغيرا عائلة (جيجي)
التي كان بيتها ملاصقا لبيتنا وفيهم الاخوات صبيحة وتفاحة ونظيمة وكن يطلبنني بعض الايام لاطفاء النار يوم السبت عندهم، لان اطفاء النار لدى اليهود في يوم (الشباط) حرام، وزرت في يوم من الايام مع امي (التوراة)
وكن ويدفعننى الى تقبيل (العهد المكتوب على لوح فضي) وكنت اتردد لانها لم تكن معهودة في حياتي واتذكر ساسون ابن اخيهن الذي كنا نذهب سويا الى المدرسة. اتذكر في البصرة وانا صغير (شفيق عدس) وكان وكيلا لسيارات (فورد)
وكان معرضه للسيارات في الشارع الذي يلتقي به زقاقنا وكنت دائما اقف خلف زجاجة العرض اتطلع الى السيارتين المعروضتين او اجلس على الدكة اما شفيق عدس فقد اعدم اثر فشل الجيوش العربية في مواجهتهم مع اسرائيل فقيل عنه انه اعطى معلومات لاسرائيل تيريرا لفشل الجيش العراقي. وعرفت في البصرة (داوود سوفير) وهو الآن في تورونتو (اوبيل علينو). وكان بيت (لاوي) وكلاء سيارات (شفرليت) في العراق وكنت ازور الكاتب (مير بصري)
في بغداد لانه كان مديرا عاما لشركة لاوي، فاشرب استكان شاي ونتحدث في مختلف الشؤون. وممن الذين عرفتهم المحامي انور شاؤول وكان صاحب مطبعة في بغداد. اذا كان في بغداد القديمة (عقد النصارى)
الذي كانت فيه مرة جريدة الجواهري، ومدرسة الراهبات اقدم مدرسة للبنات في بغداد، فان محلة البتاوين كانت من بناء اليهود الذي خرجوا من بغداد القديمة قبل قيام (بغداد الجديدة)
اثر الانفتاح بعد الحرب العالمية الثانية وتوسع حصائل النفط. كان عبد الكريم قاسم اعزه الله يسكن بيتا من البيوت التي تركها اليهود عند رحيلهم الى اسرائيل. كنا نقول ان اليهود مجانين يتركون العز ويذهبون الى المجهول ولكن نعم ما فعلوا لوكانوا في العراق لذبحوهم او شردوهم كما يفعلون الآن بالاقليات خاصة.
إمارة حدياب اليهودية جاء ذكرها في التاريخ لفترة قصيرة لاتزيد على الـ 75 عاما ثم اختفت وهو عمر قصير في قيام الممالك ثم احدارها. ذكرها الدكتور أحمد سوسة وهو يهودي اسلم في العهد الملكي وكان ظليعا واسع الاطلاع على شؤون الري في العراق وتخصص في الري ونشر فيه مقالات وكتابات كثيرة في شؤون العراق الجغرافية والتاريخي وله كتاب
(ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق) وترك له ذكر في هذه المواضيع. عن إمارة حدياب اليهودية يقول في كتابه
(العرب واليهود في التاريخ) بانها تأسست وسط منطقة كردستان، وازدهرت في القرن الأول بعد الميلاد،
ويسميها العرب (حزة) وتقع ضمن مملكة آشور القديمة شرقي دجلة، وتمتد بين النهر وأذربيجان
ثم توسعت لتشمل بلدة نصيبين غرباً·
وكان ملك هذه الإمارة (إيزاط الأول) يهودياً والملكة الأم اسمها (هيلانة)
وكانت عاصمتها أربيل، دام حكم الإمارة 75 عاماً عندما قضى عليها (الامبراطور تراجان)
امبراطور روما حوالي عام (115 م) وكانت الامارة تلتزم الولاء والاسناد من يهود القدس·
وينتهي الدكتور أحمد سوسة وهو العارف بالتاريخ اليهودي الى القول عندما نقول إمارة يهودية وجدت في هذا القطر أو ذاك في ذلك الزمان، فهذا لا يعني أن يهوداً جاؤوا من فلسطين واستولوا على الحكم في ذلك القطر، فإمارة (حدياب)
كان يحكمها (مونوباس) تزوج من اخته (هيلينا) وكانا على الوثنية إذ يحل زواج الأخت عند الوثنيين، فأنجبا ابنهما (إيزاط)
وهو الذي التقى بيهود السبي البابلي فاعتنق ديانتهم وصار يهودياً· وقد ذكرها أحد الآباء الكنسيين واسماها (حزة)
فقال أما حدياب فتقع بين الزابين، وفي الجيل الأول للمسيح كان يرأسها الملك (إيزا) ذكره (يوسيفوس)
المؤرخ اليهودي بانه اعتنق اليهودية على يد حنينا وقد اشتهرت أمه (هيلانة)
أثناء المجاعة التي حدثت في زمانها في أورشليم عندما جلبت القمح من مصر ووزعته على أهالي المدن·
تحدث عن الإمارة الطبيب والمبشر الأمريكي (غرانت) في كتابه (النساطرة ومجاوروهم المسلمون)
الذي صدر في برنستون عام 1961 فقال كإن عدد النساطرة المسيحيين في منطقة (حدياب)
خلال القرن الأول للميلاد 100 ألفا، كان أجداد هؤلاء يهوداً من الأسباط العشرة قبل تنصرهم بعد ظهور المسيح·
إمارة (حيداب) أهلها يهود، لم تعمر أكثر من مئة عام، كانت تروي قصة اليهود الذين عاشوا في كردستان العراق مدة 2500 عام تقريباً وكان اليهود العراقيين قبل 1950 من سلالاتهم الذين تفرقوا على اكثر المدن العراقية وخاصة بغداد والبصرة. جاء في سفر الملوك الرابع في التوراة (وفي أيام فاقح ملك إسرائيل، جاء ''تجلت فلاسر'' ملك آشور، وأخذ عيوناً وإبلاً لبيت معكه· ويا نوح، وقادش، وحاصود، وجلعاد، والجليل وجميع أراضي نفتالي وجلاهم إلى آشور)·
عندما قامت الامبراطورية الأشورية وخلال علوها العسكري ضمت الكثير من الأراضي العراقية والفارسية والسورية وبعض أقسام مصر، واستولت على مملكة إسرائيل وسعت لإزالتها، وذلك قبل السبي البابلي الشهير الذي قام به
(نبوخذ نصر)، لهذا فقبل السبي البابلي لليهود حدث سبي أشوري لهم ايضا· ففى عام 800 قبل الميلاد اخضع الملك الأشوري
(شلما نصر) الآراميين والفينيقيين وإسرائيل، حيث اكتشف المنقبون في (نمرود)
على مدونات عليها صور حملات هذا الملك، كأخذه الجزية من (بهو)
ملك إسرائيل الذي يُرى في المدونات ساجداً يقبل أقدام (شلما نصر)·
وقد ذكرت الحملات الآشورية، في التوراة خاصة حملة الملك الآشوري (تجلات بلاسر) في عام 732 قبل الميلاد حيث جاء وجه ملك (آحاز) رسلا إلى (تجلت فلاسر)
ملك آشور قائلاً (أنا عبدك وابنك فاصعد وخلصني من يد ملك آرام ويد ملك إسرائيل القائمين عليَّ)·
ان رواية السبي الآشوري لليهود، هي قصة اليهود الذين سكنوا جبال كردستان في شمالي العراق
حيث شتت الدولة الآشورية الأسرى إلى منافي بعيدة منعزلة عن أي تجمع قريب لكي لا يتمكنوا من لم شعثهم فلا يستطيعون العودة إلى ديارهم التي جاؤوا منها، لذلك أبعدوا اليهود إلى جبال كردستان في العراق وتركيا وإيران
ولقد ورد في نص التوراة الأماكن التي توزع فيها اليهود، وهي (صلح) و(خابور) و(هار)·
وقد أسمىوا هؤلاء اليهود الذين سكنوا الجبال والسهول وامتهنوا الزراعة (الأسباط العشرة المفقودة)،
وهؤلاء قلدوا الأكراد في نمط معيشتهم وامتهنوا مزارعين· والجدير بالذكر أن هؤلاء اليهود، هم احفاد تؤلئك اليهود الذين رحلوا إسرائيل في عام 1948 عند تأسيسها وهم يهود العراق ة، وقد أكد (بنيامين التطيلي)
اليهودي الذي زار المنطقة في حوالي عام 1165 أنه شاهد في بلدة العمادية بالعراق خمسة وعشرين ألف يهودي يؤدون الجزية للمسلمين مثل سائر اليهود المقيمين في البلاد العربية، وتكلم أيضاً عن أرض نهاوند فقال إن فيها شيخ الحشاشين يقصد الإسماعيلية ويقيم معهم حوالى أربعة آلاف يهودي·
ومن أخبار اليهود أثناء تواجدهم في شمالي العراق، ما ذكره (بنيامين التطيلي اليهودي)
عن فتنة قام بها (داود بن الروحي) اليهودي في العمادية، فقال (قامت في العمادية فتنة داود بن الروحي، وكان هذا قد تلقى العلم في بغداد عند "حسداي رأس الجالوت"، و"غاؤون يعقوب"، فتضلع بالتوراة والفقه والتلمود وسائر العلوم، وبرع في لغة المسلمين وآدابهم، ونبغ بفنون السحر والشعوذة، فدخل في روعه أن يعلن على ملك العجم ويجمع حوله اليهود القاطنين في جبال ''حبتون'' ومقاتلة النصارى المتمكنين من أورشليم والاستيلاء عليها وطردهم منها، فشرع ينشر دعوته بين اليهود ويقول لهم
(إن الله قيضني لفتح القدس وإنقاذكم من نير الاستعباد)، فآمنت به جماعة من بسطاء اليهود، وحسبوا أنه المسيح المنتظر، فلما استفحل أمره وطرق حديثه أسماع ملك العجم أرسل في طلبه، فلما مثل بين يديه من غير خوف أو وجل، سأله السلطان
(أصحيح أنك ملك اليهود؟) فاجاب (نعم)، فأمر السلطان بالقبض عليه وزجه في السجن· وبعد ثلاثة أيام وبينما كان السلطان بمجلسه، وإذا بداود يظهر أمامه طليقاً بلا قيود، فدهش السلطان وسأله كيف فك قيوده وخرج من السجن، فأجابه
(إنها حكمتي ودهائي، وأنا لا أخافك ولا أخاف وزراءك)، فلما أمر السلطان الجند أن يقبضوا عليه، اختفى وكانوا يسمعون صوته ولا يرون شكله، وتستمر حكاية هذا الرجل الذي اتخذ من بلدة العمادية مركزاً لدعوته، بينما راح حكام العجم والعرب يسومون اليهود العذاب لكي يقضوا على ثورته، إلى أن تمكنوا من ذلك في عام 1167·
وفي كتاب أصدره المجمع الثقافي في أبوظبي، بعنوان رحلة بنيامين التطيلي، ترجمة عزرا حداد وتقديم الدكتور عبدالرحمن عبدالله الشيخ، جاء فيه أن تاريخ وقوع هذه الفتنة كان في عام 1160 أي في خلافة المقتفي العباسي، فقد ورد خبر هذه الفتنة في كتاب
(بذل المجهود في إفحام اليهود)
مؤلفه صموئيل بن يحى بن عباس المغربي الذي اعتنق الإسلام في بغداد وهو أن يهود الأعاجم وأهل نواحي العمادية وسواد الموصل، استجابوا لدعوة داود ونفروا إليه بالسلاح المستتر حتى صارت عنده جماعة كثيفة، فلما وصل الخبر إلى بغداد اتفق شخصان من محتالي اليهود ودواهيهم فكتبا على لسان داود كتباً إلى يهود بغداد تبشرهم بالفرج وأنه في ليلة واحدة سيطيرون إلى بيت المقدس، فانقاد إليهما عدد من السذج اليهود وذهبوا بأموالهم وحليهم إلى ذينك الشخصين ليتصدقا على من يستحق بزعمها، واكتسوا ثياباً خضراء واجتمعوا على السطوح ينتظرون الطيران بزعمهم على أجنحة الملائكة، وصارت النساء تبكي خوفاً من أن يطرن قبل أطفالهن المرتضعين، إلى أن أصبح الصبح وكشف عن خذلانهم ونجا المحتالان بأموال اليهود، فصار يهود بغداد يسمون ذلك العام (عام الطيران)، ما تبقى من أخبار يهود السبي الأول اي السبي الآشوري، موجود في الرواق الآشوري بالمتحف البريطاني،
اما قصة السبي البابلي لليهود ونفيهم إلى العراق التي ماتزال الفكر والتراث اليهودي؟ فهي السبي الثاني اذ بعد انقراض الدولة الآشورية بسقوط عاصمتها نينوى سنة 216 ق م، قامت اثرها الدولة البابلية الكلدانية· في عام 605 ق·م
تولى الحكم في فيها الملك (نبوخذ نصر) الذي دام حكمه 43 عاماً، وهو الذي قضى على دولة إسرائيل
حدثتنا عنه التوراة ومصادر الأخرى، يبدو من الرواية الإسرائيلية أن الملك اليهودي (يواقيم)
كان حليفاً للملك البابلي، لكنه لم يثبت على عهده، اذ انقلب عليه رغم تحذير النبي (إرميا) له، لهذا جهز (نبوخذ نصر)
جيشا بقيادته فحاصر (أورشليم) عام 597 ق م· وخلال الحصار مات الملك اليهودي وخلفه ابنه (يهو ياقيم)
الذي أسره الجيش البابلي هو وأمه ونساءه وحاشيته وأشراف مملكته ورجال حربه والصناع والأقيان وبعثوهم إلى بابل، ولم يبق في أورشليم إلا مساكين شعب الأرض، وكان من أبرز الذين سباهم نبوخذ نصر (النبي دانيال)·
ثم عين نبوخذ نصر (صدقيا) عم الملك الأسير، حاكماً على إسرائيل، ولما وصلت قوافل الأسرى اليهود إلى مدينة بابل، شاهدوا هناك يهودا من أبناء بلدتهم، أسرى الحرب الآشورية السابقة، تم نقلهم إلى منطقة اسمها (نهر الخابوق)
الا ان (صدقيا) نقض العهد مع نبوخذ نصر، فرفع لواء العصيان ودخل في حلف مع (حوفر) ملك مصر
فاضطر نبوخذ نصر الى توجيه جيشاً قاده بنفسه وحاصر أورشليم مرة أخرى، وتفشت المجاعة والأوبئة في المدينة، إلى أن استسلمت سنة 586 ق م، وهنا قرر نبوخذ نصر أن يدمر المدينة، فدمرها، وأحرقها، وسلب خزائنها·
أما اليهود المسبيون في العراق، فقد وطدوا اركانهم ولموا شعثهم فيه واستقروا ولم يرجعوا، امتهن الكثير منهم التجارة والزراعة والصنائع ومارسوا شعائرهم بحرية، حتى إن النبي (دانيال) نال الشهرة والحضوة بين البابليين· وفي بابل وضعت جماعة من فقهاء اليهود
(التلمود البابلي) المعروف، وبعد حين غزى الجيش الفارسي آتيا من الشرق يقوده الملك (كورش)
غزى بابل وهو في طريقه لاحتلال سوريا وفلسطين، فأمر بفك أسر اليهود، وسمح لهم بالعودة إلى أورشليم، وأعاد لهم كنوزهم، وأمر بإعادة بناء الهيكل هناك، ويرجح المؤرخون أن الذين رجعوا لأورشليم، كانوا من الفاشلين من اليهود، الذين لم ينجحوا في مكاسبهم في العراق ومعهم المتعصبون، أما الذين بقوا في العراق فقد استمتعوا، وهم تحت الحكم الفارسي، بمقدار كبير من الاستقلال الذاتي، وتميزت تلك الفترة بنشر جزء كبير من الأدب والثقافة اليهودية، بحيث صارت مدينة بابل مركزاً للدراسات التلمودية· كما أن النبي (حزقيال) كتب في العراق منهجاً لشعب إسرائيل، بحيث أضحى التلمود البابلي أقوى من التلمود الاسرائيلي إلى يومنا هذا· وقد ترك يهود العراق مزارات لأنبيائهم، لا زالت موجودة هناك، وأشهرها قبر عزرا، الكاهن المعروف بـ (العزير)
ويقع على مسافة اثنين وعشرين ميلاً جنوب ملتقى الدجلة والفرات، حيث تكثر المستنقعات والأهوار هناك، ويعتبره اليهود كاتب الشريعة ورائد بني إسرائيل· أما المزار الثاني المشهور، فهو مزار النبي (حزقيال)، يسميه العرب (الكفل) وقد ورد ذكره في القرآن على أنه (ذا الكفل)، وقيل إنه سمي (الكفل)
لأنه كفل شعب إسرائيل بالنجاة من أسر البابليين· وقبره موجود على مسافة عشرين ميلاً من الحلة في الطريق المؤدي الى النجف، وهو مكان مقدس عند اليهود، وكانوا يزورونه في الـ (الكبور) عيد الكفارة اي (يوم الغفران)· قبل الرحيل الاخير لليهود الى اسرائيل كان لهم تأثير على العراق عند تأسيس الملكية، كان لهم الوزير حسقيل ساسون وزيرا للمالية في اول وزارة عراقية وكان قد شارك في مؤتمر القاهرة (1921)
برئاسة ونستون تشرشل، رثاه الرصافي
(ألا لا تقل قد مات ساسون بل فقل تغَـور من أفـق المكارم كـوكب) ثم (فقـدنا بـه شيخ البرلمـان ينجلي بـه ليله الداجي إذا قـام يخطـب)، والوزير الثاني اليهودي كان وزيرة التجارة عزرا الياهو، بينما لم ينل المسيحيون هذه الحضوة الا في وقت متأخر بتواجد الوزير (يوسف غنيمة) في احدى الوزارات، وفي بغداد هناك (شارع السموأل) ولا يزال شارع المصارف والمال تسمية بالشاعراليهودي السموأل بن عاديا الذي قيل انه التقى بعنتر العبسي في مجمع من شعراء ذاك العهد وفيه القى قصيدته المعروفة
(اذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه فكل رداء يرتديه جميل) ثم (وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل)
وتبعها بـ (تُعيِّرُنا أنّا قليلٌ عديدنا فقلتُ لها إنّ الكرامَ قليلُ). واتذكر في البصرة وكنت صغيرا عائلة (جيجي)
التي كان بيتها ملاصقا لبيتنا وفيهم الاخوات صبيحة وتفاحة ونظيمة وكن يطلبنني بعض الايام لاطفاء النار يوم السبت عندهم، لان اطفاء النار لدى اليهود في يوم (الشباط) حرام، وزرت في يوم من الايام مع امي (التوراة)
وكن ويدفعننى الى تقبيل (العهد المكتوب على لوح فضي) وكنت اتردد لانها لم تكن معهودة في حياتي واتذكر ساسون ابن اخيهن الذي كنا نذهب سويا الى المدرسة. اتذكر في البصرة وانا صغير (شفيق عدس) وكان وكيلا لسيارات (فورد)
وكان معرضه للسيارات في الشارع الذي يلتقي به زقاقنا وكنت دائما اقف خلف زجاجة العرض اتطلع الى السيارتين المعروضتين او اجلس على الدكة اما شفيق عدس فقد اعدم اثر فشل الجيوش العربية في مواجهتهم مع اسرائيل فقيل عنه انه اعطى معلومات لاسرائيل تيريرا لفشل الجيش العراقي. وعرفت في البصرة (داوود سوفير) وهو الآن في تورونتو (اوبيل علينو). وكان بيت (لاوي) وكلاء سيارات (شفرليت) في العراق وكنت ازور الكاتب (مير بصري)
في بغداد لانه كان مديرا عاما لشركة لاوي، فاشرب استكان شاي ونتحدث في مختلف الشؤون. وممن الذين عرفتهم المحامي انور شاؤول وكان صاحب مطبعة في بغداد. اذا كان في بغداد القديمة (عقد النصارى)
الذي كانت فيه مرة جريدة الجواهري، ومدرسة الراهبات اقدم مدرسة للبنات في بغداد، فان محلة البتاوين كانت من بناء اليهود الذي خرجوا من بغداد القديمة قبل قيام (بغداد الجديدة)
اثر الانفتاح بعد الحرب العالمية الثانية وتوسع حصائل النفط. كان عبد الكريم قاسم اعزه الله يسكن بيتا من البيوت التي تركها اليهود عند رحيلهم الى اسرائيل. كنا نقول ان اليهود مجانين يتركون العز ويذهبون الى المجهول ولكن نعم ما فعلوا لوكانوا في العراق لذبحوهم او شردوهم كما يفعلون الآن بالاقليات خاصة.