ما الفرق بين التصوّف والعرفان؟




التصوف والعرفان كلمتان غالبا ما تأتيان مترادفتان في كتب التصوف والعرفان، لكنهما في الحقيقة متفاوتتان من حيث المعنى والإصلاح، فالتصوف عبارة عن طريقة في الزهد، تقوم على أسس الشرع وتزكية النفس والإعراض عن الدنيا، من اجل الوصول إلى الحق والسير نحو الكمال، أما العرفان فهو نظرية أو مدرسة فكرية وفلسفية متعالية وعميقة من اجل معرفة الحق ودرك جوهر الأمور وإشكاليات العلوم ورموزها وذلك عن طريق الإشراق والكشف والشهود وليس الفلسفة والحكمة.
وقد ميّز أبوعلي سينا في كتابه «الإشارات» بين الزاهد والعابد والعارف، حيث يقول:
«المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها يخصّ اسم الزاهد، والمواظب على فعل العبادات من القيام والصيام ونحوه يخص باسم العابد، والمتصوّف بفكره إلى قدس الجبروت مستديما بشروق نور الحق في سره يخص باسم العارف، وقد يتركّب بعض هذه مع بعض.
فمقام العارف أعلى وأرفع من مقام الصوفي، حيث إن كل عارف صوفي، أما كل صوفي فليس بعارف، ولهذا نجد كل من مولانا جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي يعتبران أن الصوفي هو ذلك المبتدئ، القصير النظر، المنشغل بظواهر التصوف كاللباس والخرقة، ويعتقدان انه ساذج ومتعصب ووضيع الفكر، أما العارف عندهما فهو البصير، الصادق، العالم، الذي يشع قلبه بنور ا لحكمة الربانية والإشراقات الإلهية.
ففي «المثنوي» يتحدث مولانا في جملة من الحكايات عن المتصوفة القشوريين الساذجين، من ذلك قصة ذلك الصوفي الذي أودع حماره عند خادم الخانقاه وراح يوصيه بجملة من الأمور البسيطة، فما كان من الخادم إلا أن انتفض قائلا:
«كفت: لا حول اين جه افزون كفتن است
از قديم اين كارها كار من است
أي: «لا حول ولا قوة إلا بالله.. لماذا هذه الثرثرة والتطفل على عملي الذي اعرفه منذ سالف الأيام؟
وفي حكاية أخرى يعرض مولانا لقصة صوفي آخر، سلّم حماره أيضا إلى خادم الخانقاه، فقام المتصوفة هنالك ببيع حماره في غفلة منه من اجل تهيئة الإمكانات اللازمة لعقد مجلس السماع والرقص، وفي أثناء المجلس راحوا يترنمون بعبارات «خرُ برفت وخر برفت» أي: «ذهب الحمار.. ذهب الحمار» والصوفي المفضل ذاك كان يشاركهم مجلسهم وبهجتهم.
وفي أشعار حافظ أيضا نلمح الكثير من الأبيات والعبارات التي تُعرض بالمتصوفة وتعتبرهم مظهرا للمكر والنفاق الكذب والرياء!
والحق انه يجب علينا أن نضع في الحسبان طبيعة تلك المرحلة التي كان يحياها كل من مولانا وحافظ ومدى الانحراف والضعف الذي لحق بخط المتصوفة، وادخل الكثير من المتطفلين على هذا المسلك اثر جملة من الحوادث والكوارث.
وأما العارف فهو يسعى دائما إلى معرفة الحقائق ودرك العلوم الظاهرية والباطنية معا عن طريق الكشف والشهود والإشراق، لهذا يقال إن ما يدركه العالم والحكيم والفيلسوف عبر العقل والمنطق والاستدلال، يبصره العارف ويعاينه عن طريق الشهود والإشراق، وليس أدل على ذلك من حكاية لقاء الشيخ ابوسعيد أبو الخير مع ابن سينا، والتي نقلها محمد بن مور في كتابه «أسرار التوحيد» حيث يذكر أنهما التقيا في نيسابور ثلاثة أيام بلياليها دون أن يكون ثمة لقاء أو مراسلات سابقة بينهما، وحينما انفضّ مجلسهما، سأل التلاميذ فيلسوفهم ابن سينا، كيف وجدت الشيخ؟
فأجاب: «كلّ ما نعلمه يراه!»
وحينما سال المريدون شيخهم ابوسعيد كيف وجد ابن سينا أجاب: «كل ما نراه يعلمه!»
إذا، فنحن أمام علم ورؤيا، فلسفة وعرفان..
وتذكر الأخبار أن ابن سينا قد أضحى بعد هذا اللقاء من مريدي الشيخ، وازداد تعلقا به اثر رؤية كراماته، لذا فقد بتنا نراه في مؤلفاته اللاحقة يعرض في فصل مشبع لكرامات الأولياء وحالات المتصوفة، كما في كتابه «الإشارات».