تأملات في الحياة








من ديوانه: كذا أنا- الذي طبع منه عشرة آلاف نسخة في غرة كانون الثاني من سنة 1971 – وشمل القصائد من عام 1950 لنهاية 1970. وهذه آخر قصيدة في الديوان مؤرخة في الأول من كانون الثاني عام 1971، وكان قد طبع من ديوان "بيني وبين الغواني" عشرة آلاف نسخة، وشمل الديوان القصائد من تاريخ 1925 وحتى نهاية 1950.

وهذه باقة وفاء لذكرى ضمتنا من خلال سهرات عديدة في ملكوت الشعر مع الشاعر الدكتور الذي قال عنه الشاعر الأستاذ سعيد قندقجي: لا يوجد شاعر في الوطن العربي عاش مراهقة الشيخوخة إلا وجيه البارودي:





شخصيةُ المحبـوب تأسرني ومـا التجسيـدُ إلا قــالبٌ وقشــورُ

وجمـالهُ المنظـورُ بعـد جـلالهِ لا شيء لـولا حسنـهُ المستـورُ

سحـرٌ وإغـراءٌ ولست بعـالـمٍ من أين هذا السحـرُ والتـّـأثيـرُ

سحرٌ وإغـراءٌ.. هما السـّرُّ الذي فيـه الحيـاةُ مع الزمـان تـدورُ

كم حـاول الخيَّـامُ حلَّ رمـوزها فتعـقَّدتْ فاحتــارَ وهو بصيـرُ

ولَحـانةٍ فـي نيسبـورَ أوى يعــــاقرهــا ليهـدأَ قلبـهُ المدحـــورُ

وأبـو العـلاء بعقـلـه وخيـاله أسـرى بركب العلم وهو ضريـرُ

فرأى الحيـاة من الجمـاد تولَّـدت وتوالـدتْ وإلـى الجمـاد تصيـرُ

فارتـدَّ بعـد تشكُّـكٍ وضميـره لله أصفـى مـا يكـون ضميــرُ

وفصـولهُ شهدتْ بهـا غايـاتـهُ فكأنهــا عـن شكِّـهِ تكـفـيـرُ

عَمِيتْ على العلمـاء فهي عجيـبةٌٌ يفنـى الزّمـان وكهفهـا مهجـورُ

ما أرشق الأسمـاكَ في حركـاتها ما أسـعد الأطيـارَ حيـن تطيـرُ

مـا أبهجَ الأزهـارَ في قيعـانها هبَّتْ عليـها الريـحُ فهي عطورُ

هل هـذه الأحيـاء عفـواً أقبلت مـن ذاتهــا أم خلقهـا تقديـرُ؟

آيـاتُ خّـلاق رشفنـا قـطـرة مـن بحرهــا فإذا هنـاك بحورُ

من عقله الجبَّـار أودع ومـْضةً فـي عقلنـا فإذا الغريـرُ قديـرُ

تحت التراب عـوالمٌ نـامت فإن هـلَّ الربيـعُ فللنّـيـام نشـورُ

في الذَّرَّة الصغرى شموسُ كهاربٍ دارت كـواكـبُ حولهـا وبدورُ

ولقـد نفجِّرهـا فتنـشأُ طــاقةٌٌ عظمـى فيسحر عقلنـا التّفجيـرُ

الكـونُ لولا أننـا فـي أرضـه نحيا، ركـامٌ ضـائعٌ وصخـورُ

عدمٌ إلى عدمٍ يـؤول على المدى سيَّــانَ فيه النـّورُ والديجـورُ

أزليـّـةٌٌ هذي الحيـاة وأرضنـا المهدُ الوثيـرُ وبيتهـا المعمـورُ

ولسوف ينتظمُ السّـلامُ بها فـلا حـربٌ ولا هلـعٌ ولا تهجيــرُ

وسيمَّحي الفقرُ البغيـضُ فليس في دنيـا السعـادة بـائسٌ وفقيــرُ

حدَّثتُ أهلَ الأرض عن تلك الرؤى شعراً فقـالوا: شـاعرٌ مخمـورُ

وتضـاحكوا هزءاً فرُحْتُ متمتماً: عيشُ الفهيـمِ معَ البهيـمِ مريـرُ

ولجأتُ للعلمـاء أنشـدُ عـونهـم فالأمرُ إن طـالَ الركـودُ خطيرُ

يـا أيهـا العلمـاءُ هيَّـا أسرعوا فالعمرُ في طـورِ البناءِ قصيـرُ.
للشاعر الدكتور: وجيه البارودي