لنؤمن ببداية فصل البرد
فروغ فرخزاد
إيران
ترجمة : محمد الأمين
من أين آتية أنا
من أين آتية أنا
مضمخة هكذا برائحة الليل
مازال تراب مثواها طرياً
أقصد مزار اليدين الخضراوين الشابتين..
كم كنتَ عطوفاً يا صاحبي، يا صاحبي الأوحد
كم كنتَ حينما كنتَ تكذب
حينما كنت تغلق أحداق المرايا
وحينما تقتطف الثريات
من السيقان النحاسية
وكنتَ تصطحبني في الظلمة المستبدة الى مرتع الحب
ليستقر ذاك البخار الدائخ المكمّل للهيب الظمأ
علي أحراش النوم.
وتلك النجوم الورقية
كانت تطوف حول اللانهايات
لماذا قالوا للصوت، كلاماً
لماذا استضافوا النظر في بيت اللقاء
لماذا اقتادوا الحنان لحجب ضفائر البكارة؟
انظر!
كيف صلبتْ، هنا، علي أعمدة الوهم
روح من نطقت بالكلام
وعزفت بالنظر
وتخلّصت بالرأفة من شغب الموت
وكيف بقي علي خدّها إثر أغصان كفك، الخمسة
الشبيهة بأحرف الحقيقة الخمسة.
ما الصمت.. ما الصمت.. ما الصمت يا صاحبي الأوحد؟
ما الصمت إلا أحاديث لم تقل
عاجزة أنا عن الكلام.. لكن لغة العصافير
لغة حياة الجُمل السارية لاحتفاء الطبيعة
لغة العصافير تعني: الربيع.. الأوراق.. الربيع
لغة العصافير تعني: النسيم.. الذي.. النسيم
لغة العصافير تموت في المصانع.
مَن هذه.. مَن هذه السائرة علي مسير الأبدية
صوب لحظة توحدٍ
من هذه التي تُملي ساعتها الأبدية
بمنطق الرياضيات ذي التفرقة والتفريق
من هذه التي لا تعتبر صياح الديكة
بداية قلب النهار
إنما بدء رائحة الإفطار
من هذه المتوجة بالعشق
المتفسخة بين فساتين العرائس؟
لم تسطع الشمس، إذن، في آن واحد
علي قُطبي اليأس.
لقد فرغتَ من نداء البلاط الأزرق
ولكثر ما مفعمة به أنا
تراهم يصلون علي صوتي.
جثث سعيدة
جثث ضجرة
جثث صامتة متأصلة
جثث لطيفة، أنيقة، حسنة المأكل.
في محطات الأوقات المقررة
في المدار القلق للأنوار المؤقتة
وشهوة شراء فواكه العبث الفاسدة..
آه يا للأناس القلقين من الحوادث في التقاطعات
وهذا صوت صافرات الوقوف
في اللحظة التي يجب، يجب، يجب
رجلٌ يدهس تحت عجلات الزمن
رجلٌ يدهس تحت عجلات الزمن
رجل، كان يمر من جنب الأشجار المبتلة..
من أين آتية أنا؟
قلتُ لأمي: لقد انتهي قلتُ: يحدث دوماً قبيل ان تفكري
علينا ان نرسل التعازي للصحف.
سلاما يا غربة العزلة.
أسلمُكَ الغرفة
لان السحب الداكنة هي دائماً رسلُ آيات الطهارة الطرية
وفي استشهاد شمعةٍ،
ثمة سرّ منوّرٍ، تعرفه جيداً أطول وآخر شعلة.
لنؤمن!
لنؤمن ببداية فصل البرد
لنؤمن بخرائب بساتين التخيّل
بالمناجل المقلوبة العاطلة
وبالبذور الحبيسة.
انظر، يا له من ثلج يهطل..
الحقيقة ربما، تلك اليدان اللتان دفنتا
تحت الهطول المتواصل للثلج
وفي سنة قادمة أخرى
حين يضطجع الربيع مع السماء وراء النافذة
سيفوران في جسدها
ستخضوضر النافورات الخضر للسيقان الرشيقة
يا صاحبي.. يا صاحبي الأوحد.
لنؤمن ببداية فصل البرد.
مقطع من قصيدة مطولة بنفس العنوان. المصدر كزينه إشعار فروغ فرخزاد مختارات من قصائد فروغ فرخزاد انتشارات مرواريد ـ طهران 6991.
وهذه أنا
امرأة وحيدة
على عتبة فصل بارد
في ابتداء إدراك وجود الأرض الملوثة
ويأس السماء .. الساذج المهموم
وعجز هذه الأيد\ي الأسمنتية
مضى الزمان
مضى الزمان والساعة أربع مرات دقتْ
أربع مرات دقتْ
اليوم هو اليوم الأول من شهر "دي"
إني أعرف سر الفصول
وأفهم نطق اللحظات
المنقذ يرقد في الرمس
والأرض ، حضن الأرض
تعرض لنا صورة للسلام.
مضى الزمان و الساعة أربع مرات دقتْ
تهب الريح ... في الزقاق
تهب الريح ... في الزقاق
وأنا أفكر بزمن تتلقح في الأزهار
بالبراعم الهزيلة المقفرة الدم
بهذا الزمن المتعب المسلول
ويمر رجل تحت الأشجار المبتلة
رجل تشبه فروع عروقه الزرقاء
الأفاعي الميتة النافرة من بين كتفيه
ويكرر بصدقيه المتقلبين
ذاك التهجي الدامي
سلاماً
سلاماً
وأنا أفكر بزمن تتلقح فيه الأزهار.
على عتبة فصل بارد
في مآتم المرايا
في عزاء التجارب المقفرة اللون
وهذا الغروب الحامل بالصمت
كيف يمكن أن نعطي لذلك الرجل
الصبور
الوقور
الحائر
أمر الوقوف ؟
كيف يمكن أن يقال للرجل أنه ليس بحيّ
وأنه لم يكن حياً في أي زقت مضى ؟
تهب الريح .. في الزقاق
غربان الانزواء المنفردة
تحوم في بساتين الكسل المسنة
وكم حقيراً هو ارتفاع السلم
إنها حملت معها كل سذاجة القلب
إلى قصر القصص
و الآن
كيف سينهض شخص واحد للرقص
ويرمي ضفائر طفولته
في المياه الجارية
ويسحق تحت قدميه
التفاحة التي جناها وشمّها ؟
يا صاحبي، يا صاحبي الوحيد
يا لها من غيوم سوداء تنتظر يوم ضيافة الشمس
كأن في مسير من تجدس الطيران ظهر ذلك الطائر في يوم
كأنها كانت من خطوط الخيال الخضراء
تلك الأوراق اليانعة
المتنفسة في شهوة النسيم
كأن تلك الشعل البنفسجية المحترقة في الذهن
الصافي للنوافذ
لم تكن سوى تصور برئ للمصباح .
المصدر _ مجلة (عيون) خالد المعالي.
العدد 2 - كولون - ألمانيا - 1996