انتفاضة سعيد آغا الدقوري

كان الفلاحون الأكراد في الجزيرة, يعانون من انخفاض شديد في أسعار محاصيلهم الزراعية, كما كانوا يعانون أيضا من جشع المرابين الذين كانوا يستغلونهم, معتمدين في ذلك على دعم و تأييد السلطات الفرنسية.

كانت السلطات الفرنسية و التركية, و منذ منتصف الثلاثينات, تشدد من اجراءات مراقبة الحدود و تمنع التنقل عبرها, و هذا ما كان يثير سخط كل الأكراد, حيث أن الحدود قد قسمت العشائر الكردية و فتت بذلك القبائل و العائلات الكردية, و في نفس الفترة, كانت السلطات الفرنسية تريد تقريب وجهاء الأكراد و توحيدهم لتتمكن من تسخيرهم لمصلحتها و عندما فشل الفرنسيون في ذلك, لجؤوا الى تشديد الاجراءات القمعية في مناطق العشائر التي لم تقبل التعاون مع الفرنسيين بغية اخضاعها و السيطرة عليها.

عشيرة الكابارا الكردية ثاني اكبر عشيرة كردية في سوريا, المتمركزة في عامودا, , فضلت التحالف مع قبائل من عشيرة الدقوري التي كانت تتمركز في بلدة عامودا و تنتشر حتى شمال الحدود. كان هذا التحالف يهدف بشكل أساسي الى تقوية النفوذ العشائري للدقوريين و الكاباريين, هذا النفوذ الذي كان قد تزعزع شرقا من قبل الميرسنييين وغرباً من قبل الملّيين.

في عام 1936, تشدد الفرنسيون في مطالبة فلاحي منطقة عامودا بالضرائب, و أصبح المستشار الفرنسي يصر على أن يتم فض المنازعات عن طريق المحاكم و ليس عن طريق زعماء العشائر المحليين أو مرشحيهم كما كان الأمر فيما مضى.

اتفق زعيم الكابارا شيخموس هسو, مع زعيم الدقوريين سعيد آغا الدقوري للتمرد على آوامر الفرنسيين, و الانتفاض ضدهم. فتم تعبئة الجماهير و تسليحها بعد تشكيل مجلس " عشائري عسكري" بقيادة سعيد آغا.
ما أن جاء صيف عام 1937, وبدأ جني المحاصيل الزراعية, حتى أن كثفت السلطات المحلية في عامودا من جباة الضرائب من ناحية, و فرضت الحراسة و الحجز الاحتياطي لصالح المرابيين, على غلة أغلب الفلاحين من ناحية ثانية. فقرر سعيد آغا استثمار ردة فعل الفلاحين ضد هذه الاجراءات, فأبلغ رؤساء العشائر و القبائل التي كانت قد قبل الانتفاض ضد الفرنسيين بضرورة عدم دفع أية ضريبة للجباة, و طرد ممثلي السلطة من المنطقة بكاملها.

تم تشكيل وحدات فلاحية مسلحة في كل قرية مهمتها حراسة القرية و الدفاع عنها, كما تم تشكيل وحدات متحركة أكبر من وحدات القرى, لتنفيذ المهام الصدامية في كل المنطقة, و كلما طلب منها المجلس (العشائري) الذي كان يرأسه سعيد آغا.

خلال النصف الأول من شهر حزيران, استطاعت قيادة سعيد آغا طرد كل ممثلي الدولة من منطقة عامودا,فكلف المستشار العسكري الفرنسي في القامشلي الفصيلة العسكرية بالقضاء على الانتفاضة, و القاء القبض على زعماء عشائر المنطقة. و كان هذا المستشار يأمل المساعدة من عشيرة الميرسني, لكن رئيس هذه العشيرة عبدي خلو, و ان كان يساوم الفرنسيين, فكان ذلك بدافع قومي, و هذا الدافع بالذات كان يمنعه من مساندة الفرنسيين ضد الأكراد المنتفضين في منطقة عامودا.

استطاعت الفصيلة العسكرية الاستيلاء على مركز بلدة عامودا, بعد أن خسرت بعض عناصرها في الاشتباكات التي دارت على مشارف البلدة. لكن تمكن الأكراد محاصرة كل عناصر الفصيلة بعد قطع طريق الامدادات المحتملة (طريق قامشلي-عامودا). و أغارت مجموعات اقتحامية على القوات الفرنسية المحاصرة في البلدة, و قتلت و غنمت منها ما استطاعت.
التحقت بالمقاومة قوات كردية قدمت من الشمال عبر الحدود في منطقة الكمالية و الكوبانية (خانكة) و جوهرية و بذلك تمكن الأكراد من الاستيلاء على ما تبقى من القوة الفرنسية في عامودا.

كان المستشار الفرنسي في القامشلي يتابع ارسال وحدات مسلحة من الخيالة, للإغارة على عامودا و قراها, لكي يشعر السكان بأن عامودا لا زالت تحت الانتداب, و ليست مستقلة. لكن "الحقت قوات سعيد آغا الهزيمة بالقوات الفرنسية" في المنطقة. واضطر المستشار الفرنسي أن يطلب تعزيزات عسكرية من المفوض السامي الذي كان يقيم في بيروت, فأرسل هذا الأخير "طائرات لإخماد الانتفاضة في عامودا و منطقة القامشلي, حيث قصفت بوحشية, مما أدى الى قتل عدد كبير من سكانها و جرح المئات" و تم تدمير قرى بكاملها.

فضّل سعيد آغا التخلي عن قيادة الانتفاضة, و أبلغ بقية الزعماء المتحالفين معه بضرورة وقف العمليات العسكرية و حل التشكيلات الكردية المسلحة, خشية استمرار الفرنسيين في تنفيذ المجازر الجماعية. التجأ سعيد آغا الى جبل سنجار, في حين امتدت الانتفاضة غربا, لكن بشكل أضعف, حتى سري كانية (رأس العين), حيث قتل الجاجان المستشار الفرنسي في قرية السفح.