ميلاد آخر

أنا أنشودة الروح المعتمة
أبدا تطوّف بك
في حناياها , بتكرار مٌلّح
إلى فجر سحر سرمدي,
يشتعل آسرا بالنماء و الإزهار.
في هذا النشيد؛
أدغمتك نسيجا حي في لحى الأشجار,
وفى قطرات الماء ,
وفي لهيب النار.

ربما تعني الحياة..........
شارع ممتد ..... تعبره كل صباح ,
و دون ما انقطاع ,
امرأة ما ,
تحمل خبزها و بيتها في سلة.

ربما تعني الحياة:
حبل مشنقة ,
يكفي لانتحار رجل ما,
من على غصن ندي يتدلى.

ربما تعني الحياة ,
خطو تلميذ صغير يعود متعبا للدار في المساء.
ربما تعني الحياة , إشعال سيجارة ,
ساعة الخدر اللذيذ فيما بين ذروتين,
من الحب الشبق.

أو ربما نظرة غائمة بين عابرين,
و ابتسامة لا معنى لها,
تتبعها تحية مقتضبة.
ربما تعني الحياة,
تلك النظرة الخاطفة المحتبسة,
عندما تُفنى نظرتي المتيّمة ,
في إنسان عينك بغتة.
أو ربما أيضا تكون,
ثمّة إحساس دفين ,
أودعه , خلسة , في وعي القمر,
و جوف الظلمة الحالكة.

في غرفة باتساع وحدتي الهائلة,
يرنو قلبي ,
مفعم بكل هذا الحب لك,
إلى ذرائع السعادة البسيطة البريئة:
سحر زهر يزوي في إنائه ,
شجيرة زرعتها ذات حب في الحديقة,
و شدو كناري ملئه الأسى,
بقدر ما تتيحه نافذتي الصغيرة.
آه ...... هكذا يكون قدري!
هكذا....:
سماء تتواري بغتة خلف ستارة,
هذا نصيبي.
خطو متردد على درج مهجورة,
لاستعادة شيء ما ,
من بين ركام الحنين والشجن..
آه .... نصيبي:
نزهة حزينة ... وحيدة في حديقة الذكرى,
و فناء في الأسى ,
لصوت يقول هامسا..... اعشق راحتيك!

سأبذر كفى في حديقة الذكرى ,
و أنمو......
اعرف جيدا إنّي سأنمو,
حتى تضع العصافير الملوّنة الصغيرة بيضها
في راحتي الملطّخة بالكتابة.
سأرتدي توأم كرزتين ,
قرطين تتدلى على جيدي,
وتزهو بزهرات الأضاليا أظافري

هنالك , في الشارع الضيق الممتد, عبر الجرح
بشعرهم الأشعث المغبّر,
وأعناقهم الرقيقة وسيقانهم النحيلة,
ما زال صبية الحي الصغير,
يهيمون عشقا فيّ,
و يهمسون شوقا إلىّ....
طفلة الابتسامات البريئة......
بعيدا .... بعيدا قد غيّبتها الريح
ذات ليلة.

هنالك شارع ضيق ممتد ,
قد امتلكته بقلبي الصغير خلسة
من بين شوارع الجوار
في طفولتي البعيدة.

رحلة الشكل في مسار الزمان,
تبذر نطفة الشكل في رحمه.
شكل يستبطن صورة ,
عائدة من وليمة المرايا.
وهكذا يُفنى أحدهم,
ويستمد الآخر معنى للحياة.

أبدا لن يعثر الغوّاص على لؤلؤة ثمينة
في قاع جدول صغير,
تفضي مياهه إلى بركة موّحلة!

أعرف سامية صغيرة حزينة,
على شواطئ البحر الكبير,
برقة بالغة التناهي,
تعزف قلبها الصغير نايا.
سامية صغيرة حزينة,
تموت كل ليلة بقبلة واحدة, وتولد من جديد عند الفجر,
بقبلة مفردة حنينه!